حماية الفكر والإبداع- ريادة السعودية في الملكية الفكرية

المؤلف: أحمد الجميعة11.24.2025
حماية الفكر والإبداع- ريادة السعودية في الملكية الفكرية

في عصرنا الحالي، تتسابق الدول نحو تبوُّء مكانة مرموقة ومؤثرة في المنظومة العالمية، مع التزامها الراسخ بالقانون وحماية الحقوق. وفي صميم هذه المساعي، تبرز حماية الملكية الفكرية كأولوية قصوى، بل تتعدى ذلك إلى كونها حجر الزاوية في تشجيع وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية الأصول غير الملموسة، وتعزيز مكانة الدولة في دعم البحث والابتكار. كل ذلك يصب في حماية الفكر والإبداع، وهما أساس التقدم المجتمعي والقدرة التنافسية على الصعيد الدولي.

ما زلت أذكر جيدًا النقاشات المجتمعية والإعلامية التي صاحبت إعلان تأسيس الهيئة السعودية للملكية الفكرية في عام 2018. حينها، تساءل الكثيرون عما إذا كانت حماية الحقوق الفكرية تستحق أن تكون هيئة مستقلة بذاتها. وتوالت التساؤلات حول قدرة الهيئة على النجاح في ظل تشتت الاختصاصات والأنظمة بين جهات متعددة، وكم من السنوات ستستغرقها الهيئة للانتقال من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الانطلاق الفعلي، مع استبعاد شبح المنافسة. وكيف ستتعامل الهيئة مع واقع صعب يتمثل في انتهاكات الحقوق الفكرية المتفشية في المجتمع، وكيف ستعمل على توعية الأفراد بأهمية هذه الحقوق وخطورة انتهاكها؟

واليوم، وبعد مرور ستة أعوام على تأسيس الهيئة، تجلت الرؤية بوضوح في حماية حقوق المؤلف، وبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، والنماذج الصناعية، والأصناف النباتية، والتصاميم، وغيرها من المهام الأخرى. لقد قطعت الهيئة شوطاً كبيراً ومتميزاً في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وتشهد على ذلك الأرقام والإحصائيات. فقد أظهر التقرير نصف السنوي للهيئة لعام 2024 تحقيق تقدم ملحوظ في زيادة عدد الطلبات المودعة في مجال براءات الاختراع، حيث بلغت 4015 طلباً، بزيادة قدرها 20% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وبلغ عدد الوثائق الصادرة 1938 وثيقة، بنسبة نمو تصل إلى 49%. كما شهدت الهيئة تنامياً في عدد طلبات براءات الاختراع المودعة من فئة الأفراد بنسبة 53%، ومن خارج المملكة بنسبة 26%. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد طلبات التسجيل المودعة للعلامات التجارية بنسبة 12%، ليصل الإجمالي إلى 24303 طلبًا خلال هذا العام، ونما عدد طلبات التسجيل الاختياري لمصنفات حقوق المؤلف بنسبة 80%.

علاوة على كل ما سبق، أصبحت المملكة العربية السعودية مرجعًا هامًا في مجال حماية الحقوق الفكرية في منطقة الشرق الأوسط. وتطلب العديد من الدول المجاورة الاستفادة من التجربة السعودية الناجحة في هذا المجال. كما أن للمملكة حضورًا دوليًا فاعلًا في المنظمات والهيئات والمراكز المتخصصة في الملكية الفكرية، حيث تتبادل الخبرات والتجارب معها. وقد ساهمت هذه الجهود، على الرغم من حداثة عمر الهيئة، في أن تصبح المملكة نموذجًا يحتذى به، خاصة في تطبيق سياسة التوازن والفاعلية في التعامل مع المتغيرات المتسارعة التي يشهدها مجال الملكية الفكرية.

صحيح أن هناك تحديات جمة تواجه عمل الهيئة، مثل التقنيات المتطورة للذكاء الاصطناعي، والقرصنة الرقمية للأصول الفكرية، وغيرها. ولكن رؤية السعودية 2030 علمتنا أن الفرص تسبق التحديات دائمًا. حيث يمكن استثمار الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات وتطوير الأنظمة والممارسات. وفيما يتعلق بالقرصنة الرقمية، فإننا نؤسس لمرحلة جديدة من الوعي المجتمعي بأهمية الملكية الفكرية، والذي وصل حاليًا إلى حوالي 56%.

لطالما أكدنا أن التوعية، أي المعرفة، متاحة للجميع، ولكن المطلوب هو الوعي، أي المشاركة المجتمعية الفعالة، لتحقيق هدف طموح يتمثل في أن يحمي أفراد المجتمع أنفسهم من أي انتهاكات لحقوقهم الفكرية، وأن تكون الهيئة وسيلة لضمان حفظ الحقوق للجميع. لأنه في نهاية المطاف، "لن يُحمى إبداعك وعلامتك التجارية وكافة حقوقك ما لم تحمها أنت أولاً بالإبلاغ عنها".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة